الإنسان مسير أم مخير
لقد هيأ الله تعالى النفس طائعة لصاحبها : تقوى أو فجورا
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } ( الشمس : 7-8 ) .
ومن دعائه r : " اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها " ( رواه مسلم والنسائي ) .
لذا لا عجب أن تتصف النفس بعدة صفات مناقضة فهي تتصف بالإيثار ، والتواضع ، و الكرم ، و العزة ، والإرادة ،و الكرامة ، والرضا بالقليل ، وحب الخير للناس ... كما إنها أيضا تتصف بالأثرة ، و التكبر ، والبخل ، و الذلة ، و والعجز ، والطمع ، والحسد ...
وهي مهيأة لفعل كل هذه الصفات حسب رغبة صاحبها فهي كالطفل الذي ينشأ على ما كان قد عوده أبوه
قول أبي ذؤيب : " والنَّفْسُ رَاغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها * وإذا تُرَدُّ إلى قَلِيلٍ تَقْنَعِ "
وكما قال الإمام البوصيري
والنفسُ كالطفلِ إِن ترضْعهُ شبَّ على * حُبِّ الرضاعِ وإِن تفطمْهُ ينفطمِ
ولقد ضل من ظن أن الإنسان مسير و لا حيلة فيما يفعل – من القدرية وغيرهم – فالإنسان مخير فيما كلفه الله تعالى به وما سيحاسبه عليه .
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (النحل : 90 ) .
فالإنسان مخير في إقامة العدل وفعل الإحسان وصلة الأرحام وفعل كل طاعة ، كما أنه مخير في فعل الفحشاء والمنكر والبغي وفعل كل معصية .
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ( الأنعام : 151 ) .
فالإنسان مخير في الإيمان بالله أو الشرك به ومخير في بر الوالدين أو عقوقهما ومخير في قتل النفس بالحق وبغير الحق ومخير في فعل الفواحش واجتنابها ... وعلى الجملة مخير في فعل أو ترك كل ما أمر الله تعالى أو نهى عنه . وهذه الأوامر والنواهي هي مناط التكليف وعليها الجزاء والحساب .
أما ما لا اختيار للإنسان فيه فلا يحاسب عليه فلا حساب على الميلاد والموت ، ولا الجنس والنوع ، ولا الشكل و اللون .
إنما الحساب على ما للإنسان فيه اختيار كالأيمان والكفر إن بلغته رسالة نبي و إن لم تبلغني رسالة نبي كأهل الفترة فلا عذاب لهم { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } ( الإسراء : 15 ) { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( يونس : 47 ) .
والحساب إنما يكون على أوامر الله تعالى ونواهيه .
{ َالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً {122} لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً 123}ومن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } ( النساء : 121- 124 ) .
ومن عدل الله تعالى أنه لم يسو بين من آمنوا و عملوا الصالحات وبين من كفروا واجترحوا السيئات .
{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } ( يونس : 4 ) .